أخبار عاجلة
/ , / شارلي-إيبدو: المقدس والمدنس.. الشهادة والاستشهاد والأساطير المعاصرة

شارلي-إيبدو: المقدس والمدنس.. الشهادة والاستشهاد والأساطير المعاصرة

توفيق بخوت-المواطن نيوز-على هامش الحدث:
 11 شتنبر الأمريكي.. الأربعاء الدامي الفرنسي والمزيد من الكوابيس الدامية قادمة لا محالة ليدفع ضريبتها الحضارية والقانونية والإنسانية العرب والمسلمون وحدهم، وليهتز العالم الغربي المتحضر مناديا بالثأر وعظائم الأمور لمقتل حفنة من مواطنيه ذوو الدم الأزرق النبيل، ويكتمل المشهد باحتلال حفنة من قتلة آلاف الآلاف من الأطفال والأبرياء العزل لمقدمة مسيرة حاشدة عنوانها العريض التضامن مع "شهداء حرية التعبير" ومضمونها البشري تيارات ومصالح متقاطعة من نفايات العنصرية، الإلحاد، البوهيمية، المثلية وتقدمية آخر زمن التي وجدت بيننا مرتعا خصبا بفضل أحصنة طروادة المتفانين من بني جلدتنا وعروبتنا!..
"الاستشهاد" و"الشهادة".. "المقدس" و"المدنس"!
 "الاستشهاد" في سبيل القضية أو المعتقد قيمة كونية سامية، لكن مع هؤلاء (الغرب وتابعيهم من أحصنة طروادة) صار "شهادة" استثمار توزع على أساس الخسائر والأرباح، لا لإنتاج قيم إنسانية كونية تقدس الحياة وتدافع عن حقوق الإنسان دون تمييز، ولكن لإنتاج الثروة ورفع الأسهم عاليا، كما تشارلي إيبدو التي باعت 5 ملايين نسخة وبدأت منذ أمس حملة جمع تبرعات وصلت إلى 2 مليون من الأوروهات، مستجدية المال لنفسها فقط بدماء "ضحاياها" من الرسامين التي لم تجف بعد! فكما توقعنا تحول شعار "أنا شارلي" إلى "أساعد شارلي" كاشفا عن الوجه الحقيقي القبيح لقيم انتهازية تتاجر بالمآسي وتساهم في محو الحدود بين "الاستشهاد" و"الشهادة"، "المقدس" و"المدنس"، وذلك عبر إعادة إنتاج لأساطير معاصرة: سياسية أو إجتماعية كانت. فما لم يفلح فيه "صانعو المؤمرات" في ثمانينيات القرن الماضي مع صنيعتهم سلمان رشدي صاحب "آيات شيطانية" البغيضة وفي التسعينيات مع البنغلاديشية المرتدة تسليمة نسرين، استثمروه جيدا هذه المرة مع حادثة "شارلي إيبدو" الدموية. ومع الثورة الرقمية والمعلوماتية كل شيء صار قابلا للتسويق والتجارة: من الفكرة إلى الإيديولوجيا.
ميزان "الشهادة" المائل جدا!..  
وفي سيرة الرسامين دائما، ما معنى السكوت عن قتل الموساد لرسام الكاريكاتير ناجي العلي في قلب لندن سنة 1987، دون أن تقوم قيامة الغرب لمأساة شهيد شخصية "حنظلة" العربي الفلسطيني في مواجهة همجية وغطرسة الاحتلال الاسرائيلي؟ وما المغزى من رفع الرسام "كابو" وباقي قطيع "تشارلي إيبدو" المتخصص في النيل من الأعراض و الرموز والأديان، إلى مصاف "قديسي" حرية التعبير وحدهم؟! لماذا هذا الإصرار عن التغاضي إن لم نقل التوجه إلى "شرعنة " إرهاب دولة الاحتلال في مقابل "شيطنة" مثيله الآخر مثلا. فالإرهاب إرهاب: أعمى، حاقد، دون هوية ولا ديانة ولا مبرر من أي صنف كان.
 وها نحن نشهد مولد أسطورة معاصرة أخرى اسمها "شارلي إيبدو" بدأت بتهويل المأساة ومرت بالتباكي على "قديسي" حرية التعبير وانتهت بتجريم كل من يشكك في سيناريو وملابسات حدوثها ولو كانت دردشة عابرة على النت يمارس فيها حرية تعبيره الشخصي، كما وقع لذلك اللاعب المغربي الذي أدانته صحف إيطاليا قبل محاكمها، ووصفته بواحد من "الكلاب الشاردة".. والحق كل الحق معها ما دامت تتكلم بغير اللغة الديبلوماسية والحقوقية التي يصدح بها فقهاء الغرب علنا فيما مصلحتهم الكبرى مع القوة والانحياز إلى قطيع "الذئاب الوديعة" و"المتحضرة" جدا.. وهاهو الكوميدي الساخر "ديودوني" يعتقل مرة أخرى ليس لتحيته باليد المقلوبة المشهورة، ولكن بتهمة السخرية التي حولت إلى معاداة "شارلي" بعد سابقتها "السامية"! وعلى ذكر هذه الأخيرة فـ"شارلي إيبدو" نفسها كانت قد طردت سيني رسام الكاريكاتير سنة 2008، بسبب السخرية من ساركوزي ابن الرئيس السابق ساركوزي بربطها بالتهمة الجاهزة إياها "معاداة السامية"، وليتمعن جيدا "أحصنة طروادة" في هذا الفعل، بما أنهم خبراء في التأويل والتفسير ليجيبوا عن هذه "البدعة" في حرية التعبير!
الأساطير المعاصرة وصناعة الأعداء..
  سيرورة الأحداث وتصاعد الأعمال الانتقامية ضد المساجد وكل ما يرمز إلى الإسلام تشير إلى بدء "مطاردة ساحرات" القروسطية من نوع حداثي له سيناريوهات مرحلية، وأهداف مغرقة في التعتيم ومبررات جاهزة لتبرير كافة المصائب والأذى التي ستلحق بنا نحن العرب والمسلمين، في معادلة بسيطة وخبيثة في آن واحد: أنت عربي مسلم، إذن فأنت موجود كإرهابي فقط.. لا حق لك في حرية التعبير وباقي حقوق الإنسان الأخرى أو حتى العيش حسب ما تمليه عليك معتقدك وأعرافك! خطة تطبخ على نار هادئة منذ انتهاء الثنائية القطبية بنهاية الجهاد المقدس في أفغانستان، لتنقل أمريكا وحلفائها الغربيون المجاهدين من "المقدس" إلى "المدنس" كعدو استراتيجي جديد، ولا مجال هنا للشك الديكارتي (بما أننا استعرنا الكوجيتو الخاص به للتدليل على المعادلة الجديدة)، فاليقين هو أن الإسلام يجب أن يترسخ في الأذهان والوجدان كدين عنف وإراقة دماء يجب محاربته دون هداوة بكل سلاح متاح، بما فيها الأساطير المعاصرة التي توقفت ردحا من الزمن عند المحرقة النازية لإعطاء سلالة "شعب الله المختار" ما يستحقون من التعويض وتحريم النقاش في مأساتهم إلى حد القداسة بواسطة سيف مسلط اسمه "معاداة السامية"، في حين أبيدت شعوب وقبائل بأكملها ولم يقل أحد مثلا بتعويض إفريقيا أو الهنود الحمر أو يخرج بـبدعة "معاداة الحامية" (نسبة إلى حام من صلب آدم عليهما السلام)! إنها صناعة الأعداء في الاتجاهين: الأول لخدمة مصالح الصانع وما تمليه عليه التوجهات الاستراتيجية والأمن القومي والثاني رد الفعل العنيف على الصانع غير العادل، باختصار ما يراه الغرب إرهابا عن حق أوغير حق..
أحصنة طروادة التي ابتلينا بها!
   المحزن والخطير في آن واحد ليس هو تلك المؤامرات الخارجية التي تحاك على ضوء ضرورات المصالح الكبرى ومفاهيم الأمن القومي والإقليمي المتحركة، بل تلك الأقلام المأجورة والأدمغة الجاهزة للبيع في الداخل، والتي أعلنت بقوة وبشكل صادم عن انحيازها لأطروحات الغرب المتقدم متبرئة من الإسلام والمسلمين معتبرة إياهم قطعا مبدأ ومنتهى الإرهاب. هي متفانية في "شيطنة" أوطانها ومواطنيها والتألم لمصاب بلاد العجم الذي لا ولن يقاس أبدا بدم العرب المُراق بغزارة في غزة والعراق والشام وغيرها، مع أن أسمائهم "زيد" و"زينب" وعمرو وعائشة..! وماذا تنتظر من فئة تضم من أباح الزنى ورضيه لأمه وأخته، ومن حصلت على الإقامة ونياشين النضال الحقوقي بتنظيم وقفات أكل رمضان والقُبل الطويلة العلنية، ومن تزوج عرفيا باسم الإله ياكوش (تقدمي ووثني في نفس الوقت!)؟ ومن أعلنت عن وهب نفسها لجهاد النكاح المباح مع الأكراد فقط، ومن جاهر بمثليته وتكلم باسم المثليين المضطهدين قلقا على حرمانهم من الاستمتاع ؟.. ونحمد الله أن لم تتحقق أمانيهم في فوضى 20 فبراير الأخيرة، وإلا لوجدنا أنفسنا في ماخور كبير اسمه الوطن كذبا وشعاره الحرية العمياء إلى حد الفوضى، التي تتلاقى في جانبها الهدام وفوضى العم سام الخلاقة التي حلت بالخراب والتقسيم على بقاع عديدة من العالم العربي. وبدل أن ينحصر التطرف في رقعة وحيدة تناسلت بؤره وصار أنصاره بمئات الآلاف يرفعون لواء الجهاد.
  وللذين يحلمون بالفصل العضوي للدين عن الأمة وليس السياسي عن الدولة، وتطبيق القطيعة الإبستمولوجية، كتلك التي حصلت بانفصال العلم عن الفلسفة والطب عن السحر، نقول لهم انتبهوا الدين ليس بعلم ولا خرافة بل إنه عنوان حضارة عظيمة بأكملها قامت على الاعتدال والعمل والأخلاق وأفسدها أمثال هؤلاء المأجورين وسماسرة الفكر والأعراض... فحذار كل الحذر من أن نصير مسخا بين الشعوب بدون هوية ولا عنوان.   
الموضوع السابق :إنتقل إلى الموضوع السابق
الموضوع التالي :إنتقل إلى الموضوع القادم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق