بعيدا عن التعليقات
الساخرة التي وصلت إلى حد تشبيه الجزائر بالعشيقة الغيورة على خليلها
الذي رجع إلى لقاءاته بأصحابه القدامى، ومخاوفها من أن يهجرها ويسلك بصحبتهم سبلا
أخرى! فالتطمين السريع الذي أرسلته باريس عبر الرئيس هولاند إلى قصر
المرادية في صورة دعم للـوساطة "اللاهثة" للـجزائر في ملفِّ أزمة
مالي يبقى بيت القصيد ويحمل في الآن نفسه إشارة خفية سيفهمها بالطبع
سيفهمها بوتفليقة (إن وُجد!) ومن معه في الحُكم...
يعني
ذلك الظهور بمظهر المتفهم للمخاوف الجزائرية من ترجيح كفة المغرب كمتدخل
رئيسي في حل أزمة مالي، والمحافظة بذلك على التوازن في ملف جد حساس،
أصبح واجهة لمواجهة جديدة "شرسة" بين المملكة المغربية والجزائر،
والتي يمسك فيها المغرب بمفاتيح رئيسية، حيث استقبال العاهل المغربي
محمد السادس لـزعيم الأزواد بلال آغ شريف مؤخرا، وتدخل أميرة
من الطوارق توجد بـالمغرب في الوساطة بين الفرقاء الماليين،
دون إغفال المصالح الاقتصادية والأنشطة الاجتماعية الكبرى المدشنة
بــمالي (المزعجة لـفرنسا بدورها)، أفقد الجزائر توازنها
وجعلها تخبط وتنبش بكل ما أوتيت في محاولة لإيجاد دور قوي لها من خلال الاستدعاءات
و الإغراءات المتكررة لمختلف الفرقاء الماليين، رغم انحسار الوفرة المالية
للعائدات النفطية واتساع الهوة الاجتماعية ومخاطر انهيار اقتصادي
وسياسي كارثي بالجزائر.
ما لم
تفهمه الجزائر هنا، أن نقل الصراع من مربعه التقليدي في الصحراء
المغربية إلى مالي يريح فرنسا ويعطي الوقت للمشروع الأممي
لكي يميل باتجاه المشروع المغربي للحكم الذاتي، ويبقي على موقفها
الثابت في ملف الوحدة الترابية، طبقا لمصالحها وحتى مصالح الدول الكبرى
المتخوفون الآن من تحويل مخيمات تندوف والمناطق المتاخمة لها إلى قاعدة
خلفية كبرى لدعم الإرهاب والأنشطة غير الشرعية كـتهريب
الأسلحة والرهائن. خصوصا وأن محاربة الإرهاب حسب الطريقة
الجزائرية أبان عن ثغرات خطيرة ومكامن مؤامرات عديدة، وما تسرب أيضا عن
عدول واشنطن عن مخططها التقسيمي في المنطقة، ماهو إلا تخوف من ظهور ما هو
أفظع من داعش وأخواتها!
عودة الدفء إذن إلى العلاقات المغربية الفرنسية أعاد الجزائر
والبوليساريو إلى نقطة بداية النهاية، بعدما بنوا أحلاما أكبر على التنافر
بين باريس والرباط، وهاهو عبد العزيز زعيم جمهورية
"الوهم" يلتحق في غيبوبته بـبوتفليقة الغائب-الحاضر رغم أنف الدستور
(وجوب تمتع الرئيس بكامل قوته البدنية والعقلية لممارسة مهامه) والمنطق (أعباء
وملفات أثقل وأكبر من أن تدار وتحرك بواسطة رئيس شبه مشلول بالكامل).
والجزائر في أخطر مرحلة حرجة تحاول الإفلات من الشباك التاريخية
و الاستراتيجية التي صنعتها بنفسها، وبماذا؟ بواسطة نسج شباك أعقد،
بداياتها عزل المغرب قاريا ودوليا، وضرب تحالفاته التقليدية
لتمرير مخططاتها، بعدما فشلت في تصدير أزماتها إليه وبواسطته!..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق