أخبار عاجلة
/ بدون تصنيف / "الزين اللي فيك" وباقي الأساطير المؤسسة لحداثة التوحش!.. (2)

"الزين اللي فيك" وباقي الأساطير المؤسسة لحداثة التوحش!.. (2)




"من الظل إلى الشمس"- توفيق بخوت:

 "على نفسها جنت براقش"! مثل يقال عندما يكون الإنسانُ سبباً في إيقاع الضرر بأهله أو عشيرته أو بني وطنه متعمدا أو لا. والنتيجة هنا واحدة: أي أنه يوقع الضرر بنفسه أيضا! و"براقش" بطلة هذا المثل العربي البليغ كلبةً حارسة ومدللة لدى قوم من بدو العرب في الجاهلي، حمتهم "براقش" زمنا من غارات اللصوص، ثم دلت عليهم الأعداء بنباحها وهم مختبئون في الجبل لقلة عددهم.. فماتوا وماتت جراء تهورها الغريزي، إذ لم تجد من يطعمها أو يعتني بها بعد خراب الحي بمن فيه!.. وعندما يصير الفن غاية لا وسيلة وترتفع الردود من كل حدب وصوت، تضيع البطولة بين "براقش" عديدون وثلة لم مستفزة وغازية، وبينهم ضحايا كُثر، هم أغلبية أبناء هذا الوطن، الكادحون في العيش والضائعون بين خليط من المفاهيم الهجينة.. وعندما تتكلم الأقلية باسم حرية الأغلبية و"تُشرعن" قانونها الخاص بناء على امتلاكها أدوات إنتاج رمزية (الفن) ومادية (التمويل الخارجي)، الذي تريده ذا حصانة "شاذة" عن الدستور والقانون والأعراف المرعية، فاعرف أننا جميعا في دائرة الخطر، غُزاة "حداثيين" وحُماة "محافظين" ومُسوخا "وسطيين" وحتى من أهل الديار "البسيطين"، مادام النقاش في مستجدات صادمة كفيلم نبيل عيوش الأخير لا يتم حسب أصوله و لا يخرج عن رد الفعل المتشنج المُستثمر من طرف "الآخر" بدهاء! وما دمنا في سيرة  "براقش" الكلبة، فالنابحون صار لهم أولاد جد "مثقفون" يعبثون كيفما شاؤوا وارتؤوا، بإيعاز أو بدونه. وفي هذا المقام، كم من "جِرْو" فاق أباه في "النبح".. واللبيب هنا بالإشارة حتما سيفهم!...

 

  حتما البطولة هي أبرز العلامات المضيئة في تاريخ الفن الروائي والسينمائي، وإذا نظرنا إلى تطور البطولة عبر الزمن، نجدها قد أدت أدوارا وجسدت مفاهيم معينة تطورت بتطور الفكر والمجتمعات. بدءا بالبطل الملحمي والفردي في مواجهة الآلهة والأباطرة المتجبرين، مرورا بالبطل الرومانسي المدافع عن الحب ومُثل الشرف والوفاء حتى النهاية، وانتهاء بالبطل الإشكالي (Problématique) الذي يعبر عن غربة الإنسان في عالم حديث مليء بالمتناقضات، دون نسيان طفرة البطولة الجماعية التي مهدت لثورة الجماهير في وجه الزعيم الأوحد، الرمز الأعلى والنظام الوحيد.


 وبما أن نبيل عيوش كما يقول، أراد استثمار البطولة الجماعية في مجمع لـ"بائعات متعة" و"أتباع الشذوذ" للتعريف بمأساة اجتماعية معروفة وموجودة منذ القدم، واللعب بذلك على دور المثقف العضوي المرتبط بالجماهير، صاحب المشروع الثقافي المؤسس على ما هو إصلاحي وأخلاقي (حسب تعريف المفكر الشيوعي أنطونيو غرامشي)، فهو قد أخطأ الموضوع والهدف، إن لم يكن قد وضع لُغما فيه!


 لم نر إذن صدى لمعاناة العاهرات والشاذين الذين جالسهم وأنصت إليهم بأذن وعاطفة "الأم تيريزا"، ليقرر إخراج فيلم عنهم لم يحمل سوى خطاب فج وداعر مُوجه إلى عموم "المكبوتين" (كما وصفتنا التقدمية بين قوسين ابتسام لشكر)، وحول فيلما يدعي حمل هم "فئة" معينة إلى عمل ممسوخ ومبتور عن سياقه الفني والاجتماعي، لا هو بالوثائقي المباشر ولا هو بالحبكة الدرامية المكتملة البناء. لكن بطلنا "الإشكالي" حارس قيم الحداثة والتحرر، أصر أن يناقض في تصريح آخر نفسه قائلا بما معناه أن رؤيته فنية محضة وليس عليه أن يرتدي عباءة المصلح الاجتماعي. يعني أن الأخ المبدع من أتباع نظرية الفن للفن، وهذا من حقه. لكن أين هي الرمزية والفنية العالية التي تميز أعمال هذا الاتجاه؟


  لم نر غير السرد المباشر "السافل" واللقطات "المبشرة" بالمواخير والغرف المغلقة..، مما يوحي بالارتجال وفقر الرؤية الفنية والجمالية للأشياء. ولو قال عيوش "علامة زمانه"، بأنه من أنصار "الأبيقورية" أي المتعة أو حتى الإباحية البورنوغرافية، لكان صادقا مع نفسه و موضوعه. لكن الأشياء تبدو أكبر من الاتجاهات والاختيارات الفنية أو حتى مجرد نزوة "التعري" على شعب بأكمله.


 فحينما يسب مثقف حداثي (حسب ادعائه) في عموده بموقع كود الأغلبية المعارضة لفيلم عيوش، ويصفهم بـ"الدهماء" و "الغوغاء" لأنهم لم يفهموا إبداع عيوش، وعارضوا بذلك الأقلية "المعلومة" وقالوا لا واضحة لأي عمل معيب يختزل المرأة في صورة "الداعرة" الكادحة بجسدها في سبيل المال والعيش الرغيد، والوطن في "ماخور" كبير ذي هوية مشوهة. فاقىأ على مثقفي آخر زمن السلاما! وهذا فعل أقل ما يوصف به أنه ممارسة لعنف رمزي ومصادرة لحق التعبير والرفض، يمكن أن يشجع عنفا ماديا أو متطرفا مضادا عند فئة أخرى لا تتقن أو تفقه في متاهات الثقافة، "صراع الطبقات"، جدلية "العقل" و"النقل" أو "القطائع الابستمولوجية"...


 وعلى ذكر هذه الأخيرة، فإذا كان دعاة "الحداثة" من أمثال عيوش والغزوي وزيد وعمرو وغيرهم يتوقون إلى إحداث ثورة مفاهيم تؤسس لقطيعة إبستمولوجية، على غرار تلك التي حررت العلم من الفلسفة والطب من السحر، فإنهم واهمون وأدواتهم بدائية ومثيرة للاستفهام والاشمئزاز، من حيث نزوعها إلى "التغريب" المشبوه وليس العمل من داخل "التأصيل" ذي الجذور الشرعية والتاريخية. وإلا فما معنى القول بحداثة فنية صادمة في فيلم "مشوه" يوصل في بعض لقطاته خبرات مطلوبة في عالم البغاء، من قبيل أن مشروب "كوكا كولا" ناجع موضعيا لتجفيف الحيض وتسهيل مأمورية "العاهرة" إذا ما فاجأها ذلك أثناء "عملها"! أو أن البيض الممزوج بالحامض يكافح مرحلة السكر الطافح تمهيدا للسيطرة على السكارى و"تقليب" جيوبهم دون الكثير من الأعباء في الفراش!


 وحتى إذا تجاوزنا كل هذا، فالبليغ جدا هو اتصال إحدى العاهرات بعيوش في لقائه الإذاعي بـ"مومو"، وقولها له بالفصيح الجامع بان الدعارة عندها اختيار أكيد لجمع المال والعيش في البذخ وليس لإعالة النفس والأسرة وباقي الخزعبلات المأساوية، وبأنها تجني في الليلة حوالي 2000 درهم ولا داعي للمزايدة على ظروف عيشهن! (يتبع)

الموضوع السابق :إنتقل إلى الموضوع السابق
الموضوع التالي :إنتقل إلى الموضوع القادم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق